فِي إحْدَى المَزَارِعِ وَضَعَتْ آتَان (أُنثَى الحِمَارِ) جَحْشَينِ تَوْأمَينِ جَمِيلَينِ جِدًّا ، لَكِنَّ صَاحِبَ المَزرَعَةِ عَرَضَهُمَا لِلبَيْعِ فِي السُّوقِ ، الأَوَّلُ اقْتَنَاهُ مُزَارِعٌ غَنِيٌّ جِدًّا وَسَمَّاهُ نَهْقاَنُ وَالثَّانِي اقْتَنَاهُ فَلاَّحٌ بَسِيطٌ وَسَمَاهُ شَهْقَانٌ، مَرَّتِ السّنونُ وَكَبُرَ شَهْقَانٌ ونَهْقانٌ وَأصْبَحَا حِمَارَيْنِ يَافِعَيْنِ ، وَذَاتَ يَومٍ بَينَمَا نَهْقَانٌ مَارٌّ بِِجَانِب ِالحَقْلِ الذِّي يَقْطُنُهُ أخُوهُ شَهْقَانُ، لَمَحَهُ مِن بَعِيدٍ فَتَعَرَّفَ عَلَيْهِ وَصَاحَ قَائِلًا: أَخِي ... أَخِي ... أَخِي...!!
الْتَفَتَ إليْهِ شَهْقَانٌ مِن بَعيدٍ واقْتَربَ مِنْهُ وَبَعْدَ أنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ قَال لَهُ : أَلَسْتَ أنْتَ أخِي ...؟!
أَجَابَهُ مُبتَسِمًا: بَلىَ... وَلكِن لِمَ أَر جِسْمكَ نَحيِفًا؟ ألاَ تَأْكُلُ، أمْ أنَّ صَاحِبَ الحَقْلِ لاَ يَعْتنِي بِكَ؟
قَالَ لَهُ شَهْقَانٌ : بِالعَكسِ فَالفَلاَّحُ الذِّي يَمْتلِكُنيِ طَيِّبٌ جِدًّا وَلاَ يُحَمِّلنِي مَا لاَ طَاقَةَ لِي بِه ِ وَلكِنَّه لاَ يُقدِّم لِي سِوى التِّبن لأَنَّهُ فَقيرٌ ولاَ يَمْلكُ مَا يَشتَرِي لِي بِهِ بَرسِيمًا وذُرَةً وَشعِيرًا، كَمَا أنَّهُ يَترُكُنيِ حُرًّا طَوَالَ اليَوم لآكُلَ مِنَ حَشَائِشِ الأَرْضِ وَأنَا سَعيِدٌ جِدًّا مَعَهُ.
قَالَ لَهُ نهْقَانٌ بِسُخْرِيَةٍ: مَا هَذِهِ الحَيَاةُ..! إِذنْ سَأَدْعُوكَ غَدًا إلىَ حَظِيرَتيِ لتَتَنَاوَلَ مَعيِ وَجبَةَ الغَدَاءِ وَترَى النَّعيمَ الذِّي أرْغَدُ فِيهِ.
فَرِحَ شَهْقاَنٌ بِالدَّعْوَةِ، وَفِي الصَّبَاحِ شَدَّ الرِّحَالَ بِاتِّجَاهِ مَزرَعَةِ أَخِيهِ نَهقَان، وَحِينَ وُصُولِهِ انْدَهَشَ مِنْ مِسَاحَةِ المَزرَعَةِ وَجَمالهِاَ وَقاَلَ: مَا أسْعَدكَ يَا أخِي..! فَقدْ أنْعَمَ اللهُ عَليكَ بِهَذِهِ الحَيَاةِ السَّعِيدَةِ..!
دَخلَ شَهقَانٌ المَزرَعَةَ وَبَدأَ يَتجَوَّلُ فيهَا، إلىَ أنْ وَصَلَ إلىَ جَانِبِ إسْطَبلٍ جَمِيلٍ وَنَظِيف جِدًا بِهِ خُيولٌ وَحَمِيٌر من شَتَّى الأَشْكَالِ وَمِنْ جَمِيعِ الأَجْناَسِ، فَنَادَى شَهْقَانٌ قَائِلًا: أخِي نَهْقانٌ.. أخِي نَهْقَانٌ.. أيْنَ أنْتَ؟
أجَابَهُ أنَا هُنَا اقْتَرِبْ: اقترَبَ إلىَ زَاوِيَةٍ فيِ الإِسْطبْلِ فَوجَدَ أخَاهُ مَحبُوسًا بَيْنَ قُضْبَانٍ مِنْ حَديدٍ، أمَامَهُ سَطْلٌ كَبيٌر جِدًا مَليءٌ بِالشَّعيِرِ وَالذُّرَةِ إلىَ جَانِبِهِ أكْوَامٌ كَبِيرَةٌ مِنَ البِرسِيمِ الشَّهِيِّ.
فَقَالَ لَهُ نَهْقانٌ: تَفَضَّل أَخِي كُلِ مَا شِئْتَ مِن الشَّعيرِ وَالذُّرَةِ وَالبِرْسيِمِ لِتَصِحَّ.
أَجَابَهُ بِفَمٍ بَاسِمٍ: شُكْرًا أخيِ..
فَشَرعَ شَهْقَانٌ يَأْكلُ بِشَرَاهَةٍ حَتَّى انْتفِخَ بَطْنُهُ وَفجْأَةً قَالَ لَهُ: مَا ليِ أرَاكَ مَسْجُونًا بَيْنَ هَذِه القُُضْبَانٍ..! ، وَمَا هَذِه النُّدَبُ التِّي عَلىَ ظَهركَ؟
أجَابَهُ: فِي الصَّبَاح عِندَماَ أجُرُّ عَرَبَةَ الخُضَرِ وَالفَواكِهِ تَبدَأُ القِردَةُ بِرَشقِي بِقُشُورِ البَلُّوطِ وَتقُولُ لِي: نَهقَانٌ حِمَارٌ كَسلانٌ ... نَهقَانٌ حِمارٌ كسْلاًَنٌ.. وَعِندمَا أُنهِي مُهِمَّتيِ يَضَعُنيِ مَالكِي فِي هَذَا المَكَانِ إلىَ جَانبِ هَذا الطّعَامِ الشَّهِيِّ. وَلوْ أَردْتَ سَأتَوَسَّط لكَ عِندَ مَالِكِ المَزرَعَةِ ليُحْضِرَكَ إلى هُنَا لتَعِيشَ الحَيَاةَ الرَّغِيدَةَ.
ضَحِكَ شَهْقانٌ وَقَهْقَهَ عَالِيًا وَقََالَ لأَخِيهِ: التِّبنُ وَالرَّاحَةُ وَلاَ الشّعِيرُ وَالفَضِيحَةُ.