أنواع الماء:
ينقسم الماء إلى عدة أنواع، وهي:
(1) الماء العَذْب:
هو الماء الذي تقل فيه نسبة الأملاح الذائبة، بحيث يصبح مستساغًا للشرب منه.
(2) الماء المالح:
وهو ما زادت نسبة الأملاح فيه على نسبتها في الماء العذب.
(3) الماء المعدني:
هو الماء الطبيعي الذي يخرج من جوف الأرض، وبه أملاح ذائبة تكسبه طعمًا خاصًّا، وقد تكون له خواصُّ طبية.
(4) الماء المقطر:
هو الماء الناتج عن تكثيف بخار الماء، وهو خالٍ من الأملاح.
(5) الماء العسر:
هو الماء الذي لا يحدث رغوةً مع الصابون بسهولة عند غسل الثياب؛ وذلك لاحتوائه على أملاح كالسيوم ومغنسيوم ذائبة فيه، وأما الذي يحدث رغوةً مع الصابون بسهولة فهو الماء اليسر.
(6) ماء الزهر:
وهو محلول مائي، يتم تحضيرُه بالتقطير البخاري للزهور الناضرة، ولهذا المحلول رائحة الزهرة المعطرة، ومثله ماء الورد؛ (مجلة الوعي الإسلامي - العدد: 613 - صـ 45).
توازن نظام الماء على الأرض:
خلق الله تعالى الماء ووزعه على سطح الأرض بنظامٍ دقيقٍ وحكمةٍ بالغةٍ.
قال سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 18].
قوله: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾ [المؤمنون: 18]:
قال الإمام ابنُ كثير - رحمه الله -: يذكر تعالى نعمَه على عبيده التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، في إنزاله القطر من السماء ﴿ بِقَدَرٍ ﴾ [المؤمنون: 18]؛ أي: بحسب الحاجة، لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلًا فلا يكفي الزروع والثمار، بل بقدر الحاجة إليه مِن السَّقي والشُّرب والانتفاع به.
حتى إن الأراضي التي تحتاج ماءً كثيرًا لزرعها ولا تحتمل دمنتها (طبيعتها) إنزال المطر عليها، يسوق إليها الماء من بلادٍ أخرى، كما في أرض مصر، يسوق الله إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها، فيأتي الماء يحمل طينًا أحمر، فيسقي أرض مصر، ويقر الطين على أرضهم ليزرعوا فيه؛ لأن أرضهم سباخ يغلِب عليها الرمال؛ فسبحان اللطيف الخبير، الرحيم العفو!؛ (تفسير ابن كثير - جـ 5 - صـ 470).
قوله: ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [المؤمنون: 18].
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: أي: جعلنا الماء إذا نزل مِن السحاب يخلد في الأرض، وجعَلنا في الأرض قابليَّةً له، تشربه ويتغذى به ما فيها مِن الحَبِّ والنوى.
قوله: ﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 18]؛ أي: لو شئنا ألا تمطر السماء لفعلنا، ولو شئنا لصرفنا الماء عنكم إلى السباخ والبراري والبحار والقِفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه أُجاجًا لا ينتفع به لشرب ولا لسقيٍ لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه لا ينزل في الأرض، بل ينجر على وجهها لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلى مدى لا تصلون إليه ولا تنتفعون به لفعلنا؛ (تفسير ابن كثير - جـ 5 - صـ 470).
قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 48 - 50].
قوله: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفرقان: 50] دليلٌ على النظام المتوازن للماء على سطح الأرض.
• قال عبدالله بن عباسٍ: ما عام بأكثر مطرًا من عامٍ، ولكن الله يصرفه بين خَلْقه، قال: ثم قرأ: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفرقان: 50]؛ (تفسير الطبري - جـ 17 - صـ 468).
• معنى التصريف؛ أي: ما زاده اللهُ تعالى من الماء لبعض الناس، نقص مِن غيرهم؛ (تفسير القرطبي - جـ 13 - صـ 57).
لو تأملنا إنزال الماء من السحاب نجده بكميات محددةٍ لا تختل أبدًا، ولو تأملنا كميات المياه المتبخرة كل عام نجدها ثابتة أيضًا ومساوية للكميات النازلة من السحاب، ولو تأملنا نسبة الملوحة في ماء البحر نجدها ثابتة أيضًا، ولا تتغير إلا بحدود ضيقة جدًّا ومحسوبة، بل هناك نظام دقيق تتغير فيه ملوحة البحار كل ألف عام، وعلى الرغم من مرور آلاف الملايين من السنين تبقى كميات المياه العذبة والمالحة متوازنة، ولا يطغى هذا الماء على ذاك؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل - صـ 10، وصـ 13).
إن قانون الجاذبية الذي يعني أن الأثقل ينزل للأسفل والأخف يصعد للأعلى، هذا القانون يحافظُ على وجود الماء تحت سطح الأرض، وضمان تدفُّقِه على شكل ينابيع، ولو أن كثافة الماء كانت أعلى مما هي عليه الآن لغار الماء في الأرض، ولم يتمكن من التدفق من خلال الينابيع والأنهار، وهنا يتضح قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30].
ولو أن كثافة الماء كانت أقلَّ مما هي عليه الآن لم يستطعِ الماء المكوث في الأرض، وذهَب إلى السطح وتبخَّر.
إن اللهَ تعالى برحمته اختار نسبة محددة لملوحة البحار، بحيث تستمر الحياة على ظهر الأرض، وبسبب هذه الملوحة فإن هناك نسبة محددة من الماء تتبخر، ولو زادت هذه النسبة أو نقصت اختل النظام المتوازن الذي قدره الله تعالى، كذلك فإن درجة حرارة الأرض مناسبة لتبخُّر الكمية المحددة كل عام، ولو كانت الأرض أكثرَ حرارة لتبخرت محيطات العالم، ولو كانت الحرارة أقل لم تَكْفِ لتشكيل الغيوم والمطر؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل - صـ 20، وصـ 23).
مُعاهَدات دولية للمياه:
الماء هو العنصر الذي جعله الله تعالى سببًا لبقاء الكائنات الحية على ظهر الأرض؛ لذلك فقد حظي بوجود مائتين وست وثمانين معاهدة دولية حول المجاري المائية، التي أصبح أسلوب المشاركة في استخدام مياهها عبر الحدود الدولية سببًا من أسباب التعاون الدولي؛ (مجلة الوعي الإسلامي - العدد: 613 - صـ 44).
أسباب ظاهرة الإسراف في استخدام الماء:
يمكن أن نوجز أسباب ظاهرة الإسراف في استخدام الماء في الأمور الآتية:
(1) عدم وجود الوازع الديني الذي يمنع الناس من الإسراف في استخدام الماء.
(2) عدم اهتمام كثير من الآباء بتوعية أولادهم من خطورة الإسراف في استخدام الماء، داخل المنزل أو خارجه.
(3) جهل كثيرٍ من الناس بقيمة قطرة الماء، فلو ذهب شخص إلى الصحراء لعلم يقينًا قيمة قطرة الماء هناك، وكيف يحافظ عليها الذين يعيشون في الصحراء.
مظاهر الإسراف في استخدام الماء:
يمكن أن نوجز بعض مظاهر الإسراف في استخدام المياه في الأمور التالية:
(1) استخدام كمية كبيرة من الماء في إعداد الطعام والشراب، وعمليات التنظيف وغير ذلك، أكثر من الكمية المطلوبة.
(2) ترك صنابير المياه مفتوحة لمدة طويلة من الوقت بلا ضرورة.
(3) عدم الاهتمام بإصلاح صنابير المياه في البيوت وغيرها، مما يترتب عليه تساقط الماء لمدة طويلة بلا فائدة.
(4) قيامُ كثير من الناس برش الماء أمام المنازل والمحلات وغيرها، من غير ضرورة.
(5) ترك مواسير المياه المكسورة في الشوارع بلا إصلاح مدة طويلة من الوقت، مع التأخر في تبليغ المسؤولين عن المياه.
الاقتصاد في استخدام الماء:
الشريعة الإسلامية المباركة تحثنا على الاقتصاد في جميع الأمور، ومنها الاقتصاد عند استخدام الماء، وتحذرنا من الإسراف فيه.
قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27].
فالإسرافُ في استخدام الماء حرامٌ؛ لأن فيه تضييعًا وإهدارًا لنعمة الماء التي أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليها.
قال الإمام النووي - رحمه الله -: أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على شاطئ البحر؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 4 - صـ 2).
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: كان صلى الله عليه وسلم من أيسرِ الناس صبًّا لماء الوضوء، وكان يحذِّر أمته من الإسراف فيه، وأخبَر أنه يكون في أمته مَن يعتدي في الطهور؛ (زاد المعاد - لابن القيم - جـ 1 - صـ 184).
روى أبو داود عن عبدالله بن مغفلٍ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه سيكونُ في هذه الأمة قومٌ يعتَدُون في الطهور والدعاء))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 87).
قوله: (يعتدون في الطهور)؛ أي: التعدي في استعمال الماء عند الوضوء، والزيادة على المشروع؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 2 - صـ 417).
نبيُّنا صلى الله عليه وسلم القدوةُ في استخدام الماء:
ينبغي علينا أن نقتديَ بنبينا صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال، ومنها: الاقتصادُ عند استخدام الماء؛ فقد أمَرنا الله تعالى باتباعه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
قال الإمام ابنُ كثير- رحمه الله -: هذه الآيةُ الكريمة أصلٌ كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ (تفسير ابن كثير - جـ 6 - صـ 391).
روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ بالمُدِّ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمدادٍ))؛ (البخاري حديث: 201/ مسلم حديث: 325).
• الصاع: أربع حفنات بكفَّيِ الإنسان المتوسط.
إن الاقتصادَ عند استخدام الماء دليل عملي واضح على محبتنا لله تعالى ولنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى حكايةً عن نبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
إذا أراد المسلمُ أن يستخدمَ الماء من أجل الاغتسال أو الوضوء، أو إعداد الطعام والشراب، أو غسل الثياب، أو غير ذلك، فليفتَحِ الصنبور على قدر حاجته.
ظاهرة تلوُّث الماء:
إن تلوث الماء في الأنهار والبحار والمحيطات ظاهرة خطيرة، ولها أثرها الضارُّ على الإنسان والحيوان والنبات، ويمكن أن نوجز أسباب تلوث الماء في الأمور التالية:
(1) قيام كثير من الناس بإلقاء مخلَّفات المصانع والصرف الصحي في الماء.
(2) قيام بعض المزارعين بإلقاء مياه الصرف الزراعي، الملوَّثة بالمبيدات الحشرية والأسمدة، في الأنهار والبحار.
(3) تسرُّب زيوت البترول في الماء، من السفن التي تقوم بنقل المواد البترولية.
(4) قيام العاملين على السفن بإلقاء مخلفات السفن في مياه الأنهار والبحار والمحيطات.
تلوث مياه النيل جريمة:
الماء نعمة عظيمة من نِعَم الله تعالى على عباده، التي لا تعد ولا تحصى، ولقد مَنَّ الله تعالى علينا بنهر النيل، فيجب علينا أن نحافظ عليه من التلوث، ويجب على الحكومة أن تصدر قوانين رادعة وصارمة ضد كل مَن تثبُتُ إدانته بإلقاء القاذورات، أو مخلفات المصانع في نهر النيل، ولنتذكر جميعًا أن هناك كثيرًا من البلاد التي ليس فيها أنهار، وتنفق الأموال الكثيرة من أجل تحلية ماء البحر.
وسائل وقاية الماء من التلوث:
حرَص الإسلام على وقاية مصادر الماء من التلوث؛ حماية لصحة الإنسان، وهذه وقاية للمجتمع عامة؛ إذ حماية مصدر المياه وينابيعه هي حماية للمجتمع كافة، ويمكن أن نوجز وسائل وقاية الماء من التلوث في الأمور التالية:
(1) عدم التبوُّل والتبرُّز في موارد المياه:
يعتبر التبول والتغوط في الماء من أخطر مسببات تلوث الماء؛ حيث تنتقل كثير من الأمراض بسبب ذلك؛ كمرض الكوليرا، وحمى التيفود، وشلل الأطفال، والتهاب الكبد، والتهاب الأمعاء، والبلهارسيا، ويؤكد الأطباء أن البول والغائط من أخطر مسببات التلوث، ونقل هذه الأمراض السابقة، وخاصة الالتهاب الكبدي؛ مِن أجل ذلك نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن التبول والتبرز في مصادر الماء.
روى أبو داود عن معاذ بن جبلٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الملاعن الثلاثة: البَرَاز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل))؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني - حديث: 21).
قوله: (اتقوا)؛ أي: تجنَّبوا.
قوله: (الملاعن)؛ أي: الأمور التي تجلب اللَّعنَ لأصحابها؛ لأن المارَّ يلعَن أصحابها؛ لفِعلهم القبيح؛ أو لأنهم أفسدوا على الناس منفعتهم.
قوله: (البَرَاز)؛ أي: التغوط والبول.
قوله: (الموارد): هو الماء الذي يرِدُ عليه الناس من عينٍ أو نهرٍ، فيحمل على الماء الراكد الدائم الذي لا يجري، وقيل: المراد بالموارد الأمكنة التي يأتيها الناس؛ كالأندية؛ أي: موضع ورود الناس للتحدُّث.
قوله: (وقارعة الطريق)؛ أي: وسطه التي يقرعها الناس بأرجلهم، وتدقها وتمر عليها.
قوله: (والظل)؛ أي: في ظل الشجر وغيره من مقيل الناس؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 1 - صـ 385).
قال الإمام النووي- رحمه الله -: قال العلماء: يُكرَه البول والتغوط بقرب الماء، وإن لم يصل إليه؛ لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البَرَاز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 3 - صـ 188).
(2) عدم التبوُّل في الماء الساكن:
روى الشيخانِ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبولَنَّ أحدُكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه))؛ (البخاري حديث: 239، مسلم حديث 282).
هذا الفِعل القبيح لا يليق بإنسانٍ عاقلٍ، وإنما يفعله أناسٌ تجرَّدوا من الحياء، وتخلَّفوا عن ركب الحضارة، وتشبهوا بالحيوانات التي لا تعقل.
يقول علماء الطب: تنتشر البلهارسيا عندما يتبول الإنسان في الماء؛ حيث تنتقل طفيليات هذا المرض وتنتشر في الماء، وخاصة الماء الساكن الذي لا يجري؛ حيث تكتمل أطوارها حتى تصبح يرَقة ذاتَ ذَنَبٍ تسبح في الماء حتى تجد جسمًا فتخترقه، وبمرور أربع وعشرين ساعة تكون قد وصلت إلى الدم منهيةً دورتها في الكبد؛ حيث تبدأ حياتها وتتزاوج، ثم تنتقل إلى المثانة أو الأمعاء فتبيض وتخرج مرة أخرى عن طريق البول متهيئة للانتقال إلى شخص آخر، ومثلها أيضًا الدوسنتاريا التي تنتقل عن طريق البَراز وديدان الأمعاء التي تطرح ديدانها عن طريق البراز أيضًا.
(3) عدم وضع المستيقظ من النوم يدَه في إناء الماء قبل غسلها:
روى الشيخانِ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في وَضوئه؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده))؛ (البخاري - حديث: 162/ مسلم حديث: 278).
• قوله: (أين باتت يده).
قال الإمام النووي - رحمه الله -: المعنى: لعل يده وقعت على دبره أو ذكَره أو نجاسةٍ أو نحو ذلك؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 2 - صـ 180).
قال علماء الطب: مِن طرق وقاية الماء من التلوث: نَهْي الشخص المستيقظ من النوم من وضع يده في الإناء إلا بعد غسلها، وهذا النهي إجراء وقائي في منع اليد التي تتلوث بمجرد ملامستها لعضو من أعضاء الجسم أثناء النوم أو ملامستها لفتحة الشرج، فتسبب نقل الجراثيم أو الديدان الخيطية التي هي ديدان رفيعة طولها سنتيمتر واحد تعيش في الأمعاء الغليظة، وتخرج منها كثيرًا أثناء النوم فتطوف حول فتحة الشرج وتضع بويضتها الخاصة، ويظل المريض يعاني من الهرش في هذه المنطقة أثناء النوم، وعندما يهرش المصاب حول الشرج تتعلق البويضات بأظفاره، فتدخل من جديد إلى أمعائه عند تناول الطعام، أو قد يتلوث طعام الآخرين من يديه وبرازه، فتصيبهم العدوى، وقد يُعدي الآخرين حتى بمصافحتهم.
(4) تغطية آنية الشُّرب:
حثَّنا الإسلام على تغطية الآنية؛ حفظًا للماء من التلوث.
روى مسلم عن جابر بن عبدالله، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غطُّوا الإناء، وأوكوا (واربطوا) السِّقاء (القِربة)؛ فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء، لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاء، أو سقاءٍ ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء))؛ (مسلم حديث: 2014).
قوله: (الوباء): مرض عام يفضي إلى الموت غالبًا؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 13- صـ 187).
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -:
هذا ممَّا لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم، وقد عرَفه مَن عرَفه مِن عقلاء الناس بالتجرِبة؛ (الطب النبوي - ابن قيم الجوزية - صـ 173).
(5) عدم التنفس في الإناء:
روى مسلم عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء؛ (مسلم حديث: 267).
قال عمر بن إبراهيم القرطبي- رحمه الله -: نهيه صلى الله عليه وسلم عن التنفُّس في الإناء إنما هو لئلا يتنفَّس فيه فيتقذر الماء ببزاقٍ يخرج مِن الفم، أو برِيح كريهةٍ تتعلَّق بالماء، أو بالإناء؛ (المفهم - عمر القرطبي).
والتنفُّس في إناء الشُّرب يتسبب في تلوث الماء، وانتقال المرض إليه، وهذا يؤدِّي إلى انتقال العدوى مِن الشخص المريض إلى السليم؛ (مجلة البحوث الإسلامية - العدد: 71 - صـ 361: 357).
وسائل التوعية لترشيد استخدام الماء:
هناك وسائلُ كثيرة ومتنوعة لتوعية الناس بأهمية الماء وترشيد استخدامه، ويمكن أن نوجز هذه الوسائل في الآتي:
أماكن العبادة:
تستطيعُ أماكن العبادة أن تقوم بدورٍ فعالٍ ومؤثرٍ في توعية الناس بأهمية الماء وترشيد استخدامه، وتحذيرهم مِن الإسراف في استخدامه، وذلك عن طريق الدروس الوعظية التي يقوم بها رجال الدِّين.
وسائل الإعلام:
مِن المعلوم أن لوسائل الإعلام المختلفة تأثيرًا كبيرًا على الناس؛ لذلك تستطيع أن تقوم بدورٍ فعال في توعية المواطنين بضرورة ترشيد استخدام الماء، وذلك عن طريق إعداد برامج خاصة، متنوعة وجذابة، يقوم بها متخصصون في مجال المياه، فيتحدثون عن أهمية الماء وكيفية المحافظة عليه، مع بيان الأضرار المترتبة على الإسراف في استخدام الماء.
وزارة التربية والتعليم:
وزارة التربية والتعليم لها دور كبير في توعية الطلاب بأهمية الماء والمحافظة عليه، ويمكن أن نوجز وسائل توعية الطلاب بترشيد استخدام الماء في الأمور الآتية:
(1) إعداد موضوعات منهجية دراسية تتحدث عن أهمية الماء وكيفية المحافظة عليه، يقوم الطلاب بدراستها، ويتم اختبارهم فيها.
(2) إعداد محاضرات وندوات في المدارس تتحدث عن ترشيد استخدام الماء، ويقوم بها مجموعةٌ مِن المتخصصين.
(3) إعداد مسابقة في البحوث العلمية عن أهمية الماء وكيفية المحافظة عليه.
(4) إعداد لوحات تعليمية لإرشاد الطلاب بكيفية ترشيد استخدام الماء.
(5) تشجيع الطلاب الذين يتعاونون مع إدارة المدرسة لترشيد استخدام الماء.
الأُسرة في البيت:
يعتبر المنزل هو المدرسة الأولى المؤثرة في تربية الأجيال، فيجب على الآباء والأمهات الاهتمامُ بسلوك الأبناء، وإرشادهم إلى أهمية الماء وعدم الإسراف في استخدامه، سواء كان ذلك داخل المنزل أم خارجه.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين
وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمدٍ، وآله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/109314/#ixzz4U4jo5g8y