حسن اختيار شريك الحياة
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.. [البقرة : 221].
إن بحثت عن مؤمنٍ ضمنت لابنتك سعادة الدنيا والآخرة :
تروى قصة عن سعيد بن المسيب، رحمه الله تعالى، وكان من كبار التابعين، وكانت عنده فتاة يندر مثيلها؛ علماً، وفقهاً، وجمالاً، خطبها الوليد بن عبد الملك لابنه، فامتنع، وعنده تلميذٌ في المسجد فقير جداً، توفيت زوجته، فتفقَّده، فعلم أنه قد فقد زوجته، قال له: ألا أزوجك ابنتي؟ قال له: أتمنى، قال له: ماذا عندك؟ قال: درهمان، والقصة ممتعة وطريفة ونادرة، ويبدو أنه زوجه إياها، وصار هناك إيجاب وقبول ومهر على درهمين، وفي المساء طُرِق باب هذا الفقير، فقال: مَن؟ قال: سعيد، فقال هذا التلميذ: تصورت كل مَن أعرفه اسمه سعيد لعله جاءني في هذا الوقت، إلا واحداً استبعد أن يكون هو الطارق، إنه سعيد بن المسيب، لأنه كان قاضياً، أمضى بين بيته ومجلس قضائه أربعين عاماً ما خرج عن هذا الخط، مِن بيته إلى مجلس القضاء، فلما فتح الباب رأى سعيد بن المسيِّب، دفع له ابنته، وكان العقد قد تم صباحاً، قال له: كرهت أن تنام الليلة وحدك، خذها، هذه التي خطبها الوليد بن عبد الملك لابنه فأبى، فلما سئل قال: ضمنت لها الجنة بهذا الزوج.
قد يزوج إنسان ابنته لشخص غني، فاسق، فيقول لها: انزعي الحجاب، واسهري معي، ويأتي أصدقاؤه والسهرة مختلطة، وقد يشربون، وقد يرقصون، ومعنى ذلك أنه أدخلها النار، أما إن زوجت ابنتك للمؤمن ففي الأعم الأغلب ضمنت لها الجنة، وأنا لا أقول لك هكذا أن زوج ابنتك لإنسان مُعْدَم، ما قصدي هذا من هذه القصة، ولكن حينما تبحث عن مؤمن فإنك تبحث عن الموقف الصحيح، وإنك إن بحثت عن مؤمنٍ ضمنت لابنتك سعادة الدنيا والآخرة، وإن بحثت عن المال فربما شَقِيَت بهذا المال.
﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾
فالأثرياء من المشركين يدعون إلى النار، وهناك تفلُّت، ونمط حياتهم نمط غير شرعي، وهناك اختلاط، وكم من أسرةٍ اختلطت بأسرةٍ أخرى فانتهت إلى الطلاق، وهناك كسب مال حرام، وانحرافات خطيرة جداً، وهذه كلها تعود بالشقاء على الزوجين ولو بقيا مع بعضهما طوال الحياة، ولكن قد تنتهي بهما الدنيا إلى النار، يدعون إلى النار.
﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ ﴾
فالعبد المؤمن هو عبدٌ آمن بالله، ومصيره الجنة، ومَن معه من زوجته وأولاده في الأعم الأغلب مصيرهم إلى الجنة، لأنه حملهم على طاعة الله، فإن أردت لابنتك مصيراً ينتهي بها إلى الجنة فابحث عن المؤمن، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها.
الآيات التالية تبين أن أخطر حدث بحياة الإنسان زواجه :
قال تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾
أجمل شيء في الإيمان إذا كان هناك ماضِ سيِّئ فهناك مغفرة، وبعده الجنة، والله يدعو إلى الجنة، وإذا كانت هناك جاهلية فالمغفرة بإذنه..
﴿ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
أيها الأخوة... تبيِّن هذه الآيات أن أخطر حدث بحياة الإنسان زواجه، فالبيت قد يغيره، وقد يغير حرفته، أما زواجه فمن الصعب جداً أن يغيره لأنه قرار مصيري، فإذا كانت هذه الزوجة مؤمنةً، سعدت بها وسعد أولادك بها، ولذلك فأول واجبات الأب تجاه أولاده قبل أن يتزوَّج أن يحسن اختيار أمِّهم، وأول واجب على الأب تجاه أولاده قبل أن ينجبهم أن يحسن اختيار أمهم، فإن اختارها من بيت علمٍ، وبيت أدبٍ، وبيتٍ عريق، واختارها مؤمنةً، صالحةً، مستقيمة، عفيفة، سعد بها في الدنيا وكانت سبب سعادته في الآخرة، وإن اختارها بارعةً دون أن تكون فاضلةً قد يتمتَّع بجمالها إلى حين، ثم يشقى بها وينتهي إلى أسفل سافلين،
﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
قضية الزواج قضية خطيرة ومصيرية، فقبل أن تختار زوجة عُد للمليون، وابحث عن دينها، وعن علمها، وأدبها، وأهلها، وتربيتها، وخصائصها، لأنها أم أولادك، وسوف تقطف ثماراً يانعةً إن كانت صالحة، وسوف تدفع ثمناً باهظاً إن كانت سيئة.
راتب النابلسى
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية