قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ، لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ. في هذا الحديث دﻻلة على أن رحمة الله مخلوقة، فكيف تكون مخلوقة وهي صفة من صفات الله تعالى أم إنها مخلوقة، وهي من صفاته؟ أرجو اﻹجابة بالتفصيل.اﻹجابــة
الحمد لله، والصﻼة والسﻼم على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرحمة المضافة إلى الله تعالى ليست نوعًا واحدًا، بل هي نوعان، فمنها رحمة ليست مخلوقة، تضاف إلى الله إضافة الصفة إلى الموصوف، ومنها رحمة مخلوقة تضاف إلى الله تعالى إضافة المفعول إلى فاعله، ومن هذا النوع الرحمة المذكورة في الحديث الذي نقله السائل.
*قال*ابن القيم*في بدائع الفوائد:*اعلم أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان:
ـ أحدهما: مضاف إليه إضافة مفعول إلى فاعله.
ـ والثاني: مضاف إليه إضافة صفة إلى الموصوف بها.
فمن اﻷول قوله في الحديث الصحيح: "احتجت الجنة والنار " فذكر الحديث وفيه: "فقال للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء" رواه مسلم، وأحمد. فهذه رحمة مخلوقة، مضافة إليه إضافة المخلوق بالرحمة إلى الخالق تعالى، وسماها رحمة؛ ﻷنها خلقت بالرحمة، وللرحمة، وخص بها أهل الرحمة، وإنما يدخلها الرحماء. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، كل رحمة منها طباق ما بين السماء واﻷرض" رواه مسلم، والحاكم. وروى البخاري نحوه، ومنه قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا اﻹنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} ومنه تسميته تعالى للمطر رحمة بقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}.
وعلى هذا فﻼ يمتنع الدعاء المشهور بين الناس قديما وحديثا وهو قول الداعي: "اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك" وذكره البخاري في كتاب اﻷدب المفرد له عن بعض السلف، وحكى فيه الكراهة، قال: "إن مستقر رحمته ذاته". وهذا بناء على أن الرحمة صفة، وليس مراد الداعي ذلك، بل مراده الرحمة المخلوقة التي هي الجنة ..... فالداعي يطلب أن يجمعه الله ومن يحب في المكان الذي تستقر فيه تلك الرحمة المخلوقة في الجنة، وهذا ظاهر جدًّا فﻼ يمتنع الدعاء بوجه، والله أعلم.
وهذا بخﻼف قول الداعي: "يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث" فإن الرحمة هنا صفته تبارك وتعالى، وهي متعلق اﻻستغاثة؛ فإنه ﻻ يستغاث بمخلوق. اهـ.
والله أعلم.