[size=32] ” لا إله إلا الله ” أعظم محاسن الإسلام[/size]
فبراير,2017
شرفُ المخلُوقِ في الإقبالِ على طاعةِ الله ولُزومِ عبوديَّته، وتلك حكمةُ الخلقِ والأمر، وبها الفوزُ والفلاحُ في الدنيا والآخرة، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
والفرحُ والسُّرورُ واللذَّةُ وطِيبُ الوقت والنَّعيم إنما هو في معرفةِ اللهِ وتوحيدِه والإيمانِ به، وأفضلُ الكلام وأحَبُّه إلى اللهِ ما كان ثناءً عليه ومَدحًا له، وخيرُ الثناءِ على الله: كلمةُ التوحيد "لا إله إلا الله”.
كلمةٌ قامَت عليها الأرضُ والسماوات، ولأجلِها خُلِقَت الموجُودات، وبها أنزلَ الله كتبَه وأرسلَ رُسُلَه، قال – تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25].
وأنذرَ بها الرُّسُلُ أقوامَهم، قال – سبحانه -: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: 2].
شهِدَ الله بها لنفسِه وأشهَدَ عليها أفضلَ خلقِه، قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18].
قال ابنُ القيم – رحمه الله -: "هذه أجلُّ شهادةٍ وأعظمُها وأعدلُها وأصدقُها من أجلِّ شاهدٍ بأجلِّ مشهودٍ به”.
جميعُ الشرائعِ مبناها على هذه الكلمة، والدينُ كلُّه من حقوقِها، والثوابُ كلُّه عليها، والعقابُ كلُه على تركِها أو التقصيرِ فيها، كلمةٌ عاليةُ المنازِل، كثيرةُ الفضائِل، فهي رأسُ الإسلامِ مُطلقًا، وأولُ أركانِه ومبانِيه العِظام، وعليها تقوم جميعُ الأركان، وهي ركنُ الإيمانِ باللهِ وجانِبُه الأعظَم، فلا يصِحُّ الإيمانُ بدونها ولا يستقيمُ إلا عليها.
عليها أُسِّسَتْ الملَّة ونُصِبَت القبلَة، وهي محضُ حقِّ اللهِ على جميعِ العباد، كلمةُ الإسلام، ومفتاحُ دارِ السلام، وبها انقسمَ الناسُ إلى شقيٍّ وسعيدٍ، ومقبولٍ وطَريدٍ، فارِقةٌ بين الكفرِ والإسلام، ما نطَقَ الناطِقُون بأحسَنَ منها قولاً، ولا عمِلَ العاملون بأفضلَ من مدلولِها فعلاً، قال – عليه الصلاةُ والسلام -: «أحبُّ الكلامِ إلى الله أربَع: سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»؛ رواه مسلم.
هي كلمةُ التقوَى التي اختَصَّ الله بها أولياءَه، قال تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: 26].
وهي العُروةُ الوُثقَى التي من تمسَّك بها نجَا، قال – سبحانه -: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: 256].
العلُوُّ صفَتُها والبقاءُ يُلازِمُها، قال تعالى: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ [التوبة: 40].
كلمةٌ طيبةٌ ضرَبَ الله لها في كتابِه مثلاً فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: 24].
بها انشِراحُ الصدر، ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125].
قال ابنُ جُريجٍ – رحمه الله -: "بلا إله إلا الله”.
وبها سلامَةُ القلبِ، ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88، 89].
قال ابنُ عباسٍ – رضي الله عنهما -: "القلبُ السليمُ أن يشهَدَ أنْ لا إلهَ إلا الله”.
وهي دعوةُ الحقِّ الذي لا باطِلَ فيه، والقولُ السديدُ الذي لا اعوِجاجَ فيه، وشهادةُ صِدقٍ لا كذِبَ فيها، وهي المثَلُ الأعلى الذي اختَصَّ الله به دون خَلقِه، وهي الكلمةُ الباقِيةُ في عقِبِ إبراهيمَ – عليه السلام -، قال – سبحانه -: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: 28].
قال ابنُ كثيرٍ – رحمه الله -: "هي لا إله إلا اللهُ، جعَلَها دائمةً في ذريته يقتَدِي به فيها من هدَاه الله تعالى من ذريةِ إبراهيم”.
لا إله إلا اللهُ أعظمُ نعمةٍ على الخلق، قال – سبحانه -: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20].
قال سفيانُ بن عيينة – رحمه الله -: "ما أنعمَ الله على العبادِ نعمةً أعظَمَ من أن عرَّفَهم لا إله إلا الله”.
كلمةٌ تعدِلُ الدنيا وما فيها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لأن أقولَ: سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إليَّ مما طلَعَت عليه الشمس»؛ رواه مسلم.
هي أولُ واجبٍ على العبادِ علمًا وعملاً، قال – سبحانه -: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19].
قالَ شيخُ الإسلامِ – رحمه الله -: "السلفُ والأئمةُ مُتَّفِقُون على أنَّ أولَ ما يؤمَرُ به العبادُ الشهادتان”.
وهي آخرُ واجبٍ، قال – عليه الصلاة والسلام -: «من كانَ آخرُ كلامِه: لا إله إلا اللهُ دخَلَ الجنة»؛ رواه أبو داود.
العالِمُ العامِلُ بها هو المُستقيمُ حقًا، قال – سبحانه -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: 30].
قال ابنُ عباس – رضي الله عنهما -: "أي على شهادةِ أن لا إله إلا الله”، ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [المائدة: 69]”.
إذا صدَقَت هذه الكلمة تطهَّرَ القلبُ من كل ما سِوَى الله، ومن صَدَقَ فيها لم يُحِبَّ سِوَى الله، ولم يَرْجُ إلا إياه ولم يَخشَ سِواه، ولم يتوكَّلْ إلا عليه، ولم يَبقَ بقيةٌ من آثارِ نفسِه وهواه.
هي عصمةٌ للمالِ والدم، قال – عليه الصلاة والسلام -: «من قال: لا إله إلا اللهُ، وكفَرَ بما يُعبَدُ من دونِ الله حَرُمَ مالُه ودمُه، وحسابُه على الله»؛ رواه مسلم.
أول ما يُبدأُ به من الدعوة، وبها بدَأَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – دعوتَه، وعليها كان يُبايِعُ أصحابَه، وبها بعَثَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الدعاةَ إلى الأمصار، فقال لمُعاذٍ – رضي الله عنه – لمَّا بعَثَه إلى اليَمَن: «إنك تأتي قَومًا من أهل الكتابِ، فليكُن أولَ ما تدعُوهم إليه: شهادةُ أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسولُ الله»؛ متفقٌ عليه.
كلمةُ التوحيد كلمةٌ سواء، عليها يجتمِعُ الخلقُ، وبدونِها الفُرقةُ والاختِلافُ، قال – سبحانه -: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 46].
من قالها بحقٍّ أفلَح، قالَ – عليه الصلاة والسلام -: «يا أيُّها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تُفلِحوا»؛ رواه أحمد.
المُتمسِّك بها آخِذٌ بأعلى شُعبِ الإيمان، قال – عليه الصلاة والسلام -: «الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، فأفضلُها: قولُ: لا إله إلا الله»؛ رواه مسلم.
والآيةُ المُتضمِّنةُ لها أعظَمُ آيةٍ في القرآن، وسيِّدُ الاستغفارِ مُشتملٌ عليها.
هي أكثرُ الأعمال مُضاعفةً وأجرًا، فـــ «مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمدُ وهو على كل شيء قديرٌ في يومٍ مائةَ مرة، كانت له عَدلَ عشرِ رقابٍ، وكُتِبَت له مائةُ حسنةٍ، ومُحِيَت عنه مائةُ سيئةٍ، وكانتْ له حِرزًا من الشيطانِ يومَه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ أفضَلَ مما جاء به إلا أحدٌ عمِلَ أكثرَ من ذلك»؛ متفقٌ عليه.
و «مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمدُ وهو على كل شيءٍ قديرٌ عشرَ مِرارٍ، كان كمن أعتَقَ أربعةَ أنفُسٍ من ولدِ إسماعيل»؛ رواه مسلم.
هي أجلُّ الصدقاتِ من غير بَذلِ مالٍ، قال – عليه الصلاة والسلام -: «وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ»؛ رواه مسلم.
وهي نجاةٌ للعبدِ في قَبرِه، وعليها يُثبَّتُ عند السؤال، قال – عليه الصلاة والسلام -: «المُسلمُ إذا سُئِلَ في القبر يشهَدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، فذلك قولُه: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27]»؛ رواه البخاري.
وسجلاتُ الذنوب تَطِيشُ – بفضل الله – بثِقَل هذه الكلِمَة، قال – عليه الصلاة والسلام -: «يُؤتَى برجُلٍ فينشُرُ عليه تسعةً وتسعينَ سِجِلاًّ كلُّ سِجِلٍّ مدَّ البصر، فتُخرجُ له بِطاقةٌ فيها: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، فتُوضعُ السجلاتُ في كِفَّةٍ، فطاشَتِ السِّجِلاَّتُ وثقُلتِ البِطاقةُ»؛ رواه أحمد.
و«لو أنَّ السماواتِ السبع والأرضين السبع وُضِعَت في كِفَّةٍ، ووُضِعَت لا إله إلا الله في كِفَّةٍ، رجَحَت بهنَّ لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كُنَّ حلقةً مُبهمَةً، قصَمَتهنَّ لا إله إلا الله»؛ رواه أحمد.
أهلُها شُفعاء، ولهم عهدٌ عند الرحمن، قال – سبحانه -: ﴿لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: 87].
وأسعدُ الناسِ بشفاعةِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – المخلصون الصادقون في قولِها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «أسعَدُ الناسِ بشفاعَتِي يومَ القيامةِ: من قال: لا إله إلا الله خالِصًا من قِبَل نفسِه»؛ رواه البخاري.
والجنةُ جزاءُ من قالَها بصدقٍ، خالِصًا من قلبه، مُوقِنًا دون شكٍّ، عامِلاً بها، مُبتعِدًا عما يُناقِضُها، قال – عليه الصلاةٌ والسلام -: «ما من عبدٍ قال: لا إله إلا اللهُ، ثم ماتَ على ذلك، إلا دخَلَ الجنة»؛ متفقٌ عليه.
وتُفتحُ لقائِلها أبوابُ الجنةِ الثمانية، يدخُلُ من أيِّها شاء؛ بل من كان صادقًا فيها عامِلاً بمُقتضاها، لم تمَسَّه النار، قال – عليه الصلاة والسلام -: «ما مِنْ أحدٍ يشهَدُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله صِدقًا من قلبه إلا حرَّمَه الله على النار»؛ متفقٌ عليه.
ويُخرِجُ اللهُ من النارِ من قالَها وكان في قلبِه مِثقالُ ذرَّةٍ من إيمان، قال الله – عزَّ وجلّ -: «وعِزَّتي وجلالي وكِبريائي وعظَمَتي؛ لأُخرِجنَّ منها من قال: لا إله إلا الله»؛ رواه البخاري.
ولأهميةِ كلمةِ التوحيدِ في كلِّ لحظةٍ من حياةِ العبد جاءت الشريعةُ بالحثِّ على مُلازمتِها في كلِّ أحوالِه وشؤونه، فـ «من قال حين يُصبِحُ ويُمسِي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيءٍ قدير، كان له عِدلُ رقبةٍ من ولد إسماعيل، وكُتِبَ له عشرُ حسناتٍ، وحُطَّ عنه عشرُ سيئاتٍ، ورُفِعَ له عشرُ درجاتٍ، وكان في حِرزٍ من الشيطانِ حتى يُمسِي، وإن قالَها إذا أمسَى كان له مِثلُ ذلك حتى يُصبِح»؛ رواه أبو داود.
وإذا فرَغَ من طُهورِه وقالَها، فُتِحَت له أبوابُ الجنة الثمانية، قال – عليه الصلاة والسلام -: «ما منكم من أحدٍ يتوضَّأ فيُسبِغ الوضوءَ ثم يقول: أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فُتِحَت له أبوابُ الجنة»؛ رواه مسلم.
وهي مبدأُ الأذان وخِتامُه، و«مَن قالها من قلبِه إذا ختمَ المؤذنُ أذانَه دخَلَ الجنة»؛ رواه مسلم.
و«مَن قال حين يسمَعُ المؤذِّن: أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضِيتُ بالله ربًّا، وبمُحمدٍ رسولاً، وبالإسلامِ دينًا غُفِرَ له ذنبُه»؛ رواه مسلم.
وفي الصلاةِ إذا قام المُسلِمُ إليها استفتَحَ بالتوحيدِ، والصلاةُ لا تصِحُّ إلا بالتشهُّد، وقبل أن يُسلِّم المُصلِّي من الصلاةِ يدعُو مُتوسِّلاً إلى اللهِ بها: «اللهم اغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسرَرتُ وما أعلَنتُ، وما أسرَفتُ وما أنت أعلَمُ به منِّي، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت»؛ رواه مسلم.
وفي دُبُرِ كلِّ صلاةٍ يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير»؛ متفقٌ عليه.
ويختِمُ بها التسبيحَ والتحميدَ والتكبيرَ، فـ «تُغفَر خطاياه وإن كانت مِثل زَبَدِ البحر»؛ رواه مسلم.
وفي المناسِكِ يستصحِبُها، كان – عليه الصلاة والسلام – إذا صعِدَ على الصفا والمروة استقبَلَ القبلةَ، فوحَّدَ الله وكبَّرَه؛ رواه مسلم.
وفي مُزدلِفَة أتَى النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – المشْعَر، فرَقِيَ عليه، فاستقبَلَ القبلةَ فحمِدَ الله وكبَّرَه، وهلَّلَه ووحَّدَه؛ رواه النسائي.
وإذا قفَلَ من غزوٍ أو حجٍّ أو عُمرةٍ يُكبِّرُ على كلِّ شرَفٍ من الأرضِ ثلاثَ تكبيراتٍ، ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير»؛ متفقٌ عليه.
وفي مواسِمِ الخيرات – كعشرِ ذي الحجة – يُستحَبُّ الإكثارُ منها، وفي الخُطبِ يَستَفتِحُ مطلَعَها بالتوحيدِ، وفي مُخالَطتِه للناس إذا جلَسَ مجلِسًا كثُر فيه لغَطُه قال قبل أن يقومَ من مجلِسِه ذلك: «سُبحانك اللهم وبحمدِك، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفرُك وأتوبُ إليك، إلا غُفِر له ما كان في مجلِسِه ذلك»؛ وراه الترمذي.
ومن تعارَّ من الليلِ فقالَها، ثم دعا استُجِيبَ له، فإن توضَّأَ وصلَّى قُبِلَت صلاتُه؛ رواه البخاري.
وفي حالِ الهمِّ والكَربِ يقول: «لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماواتِ وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم»؛ متفقٌ عليه.
والثناءُ على الله بها قبل سُؤالِه سببٌ لإجابَةِ الدعاء، قال – سبحانه -: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ [الأنبياء: 87].
قال – عليه الصلاة والسلام -: «لم يَدْعُ بها مُسلمٌ في شيءٍ قَطُّ إلا استُجِيبَ له»؛ رواه الترمذي.
وهي كفَّارةُ الحلِفِ بغيرِ الله، قال – عليه الصلاةُ والسلام -: «من حلَفَ فقال في حَلِفِه: باللاتِ والعزَّى، فليقُل: لا إله إلا الله»؛ متفقٌ عليه.
ومن حضَرَتُه الوفاةُ استُحِبَّ تلقِينَه إياها، قال – عليه الصلاة والسلام -: «لقِّنُوا موتاكم قولَ: لا إله لا الله»؛ رواه مسلم.
وإليها يُدعَى مَن كان على غير المِلَّةِ ولو في آخرِ لحظةٍ من حياتِه.
حضَرَت أبا طالبٍ الوفاةُ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: «يا عمِّ! قُل: لا إله إلا الله كلمةً أشهَدُ لك بها عند الله»؛ رواه مسلم.
فالعِزُّ في التوحيدِ، قال عُمر – رضي الله عنه -: "نحن قَومٌ أعزَّنا الله بالإسلام”.
والشهادةُ عنوانُه ودليلُه، ولا خَيرَ في قولٍ يُناقِضُه العمل، ومن لم ينطِقْ بها فاتَتْه لذَّةُ الدنيا والآخرة، وقُوةُ وضعفُ المسلمين على حسَبِ تحقيقِهم لهذه الكلمةِ قولاً وعملاً، فهي مِيزانُهم عند الله وعند الناس؛ فإن قَوِيَتْ عندهم رضِيَ الله عنهم وعَزُّوا وارتَقَوا، وإن ضَعُفَتْ بعُدُوا عن الله وضعُفُوا ووَهَنُوا.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾[محمد: 19].
والعلمُ بمعنى كلمةِ التوحيدِ والعملِ بها، والبُعد عما يُضادُّها أو يُناقِضُها شرطٌ لحُصولِ مُقتضاها الوارِدِ في النُّصوص، فمعناها: نفيُ الإلاهيةِ بحقٍّ عما سِوَى الله، وإثباتُها لله وحدَه، وهذا الذي أنكرَه كفَّارُ قريشٍ، قال – سبحانه -: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: 35]، ولم ينفَعُهم إقرارُهم بتوحيدِ الربوبيَّة فحسب.
وكلُّ مَن كان بمعناها أعرَف، وبمُقتضاها أقوَم كان ميزانُه أثقَل، وتفاوُتُ الناس فيها على قَدرِ تحقيقِ شُروطِها، ورُوحُ هذهِ الكلمة وسِرُّها إفرادُ الله – جلَّ وعلا – بالعبادة؛ فمَن أشركَ مخلُوقًا في حقِّ الله وعبادتِه كان ذلك ناقِضًا لقولِ: لا إله إلا الله.
والسعيدُ من حافَظَ على توحيدِه وماتَ عليه، ولم يتدنَّس بناقِضٍ من نواقِضِه أو قادِحٍ عليه، أو بما يُنقِصُه، وهي أُمنيةُ عبادِ الله الصادِقِين: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101].
فضيلة الشيخ الدكتور/عبدالمحسن القاسم