حين عاد إلى منزله بعد ذلك اليوم الطويل , كان في قمة القرف من الحياة , في قمة القرف من الناس ..و حمد الله ألف مرة أنه ليس بمتزوج , و إلا لكانت زوجته و أطفاله قد أذهبوا البقية الباقية من قواه العقلية !
خلع ملابسه و رماهم في سلة الغسيل ,دخل فاستحم ,ثم توجه إلى سريره , و وضع رأسه لينام ..
لكن و ككل ليلة , جاء الأرق فأندّس إلى جانبه في السرير,و الأرق شريك سرير ٍ مزعج .. يشخر طيلة الليل دون توقف , و لا يستيقظ أبدا ً حتى لو نسفوه بالقنابل !
سرح بخياله بعيدا ً , إلى بضعة سنين قد مضت , و بدأت الصور الذهنية بالتشكل :
حين وقعت عيناه عليها في البداية , شعر بأنها مجرد فتاة ,تتجمل بمستحضرات التجميل لتخفي عيوبها .., عاد ليراها بعد أن ماتت حبيبته , كيف لم ينتبه إلى أنهما تتشابهان جدا ً ..
ثم هل كانت "مرام" أجمل نساء العالم حتى يعمى عن غيرها ؟ أم كانت مجرد فتاة بجمال ٍ عادي تضخم في نظره حين عشقها ؟
-------
هو يعلم في قرارة نفسه أنه كان مخطئا ً , لم يكن عليه أن يرفع صوته عاليا ً كي يُثبت وجهة نظره,ثم إنه أمّه .. يعلم أنها لم تكن يوما ً إلى جانبه , و أنها طيلة الوقت مشغولة بآلامها ..
وقف أمام تلك الجملة : "مشغولة بآلامها" ... لأول مرة ينتبه إلى أنه يعتب على والدته و انشغالها عنه لسبب ٍ كهذا .. , يعتب عليها لأنها تتألم .. , لطالما أعتقد أنه يجب عليه أن يكون مركز الكون حتى لو كان هذا الكون بأكمله متجها ً نحو الدمار!
-------
تلك الرواية أمامه , كم هو صعب ... لا الشخصيات تساعده في سير العمل , و لا الأحداث مشوّقة .. آه ٍ لو أنه ينه ِ هذه الرواية , ثم يعرضها على ناشرمشهور فيتحمس الأخير لنشرها , ثم تصبح الرواية حديث الشباب , و تقع فتاة مجهولة في غرامه , تتحرق شوقا ً للحظة إعلانه حفل توقيع في بلد لتأتيه , و حبذا لو كانت تلك الفتاة آية ً في الجمال .. بل و حبذا لو كان اسمها " آية " أيضا ً ! كي يتغزل بها فيقول : أنت ِ إسم على مسمى , أنت ِ لست ِ آية في الجمال,بل أنت ِ الإصحاح كله ..,فتسأله : و ما هو الإصحاح؟ فيخبرها: إنه شبيه بالحزب لديكم في القرآن .. , يروق لها ذلك ... يتورّد خداها خجلا ً ..
يُسلم لأجلها , يتزوجها ..
آه ٍ لو يُنه ِ هذه الرواية فقط ..