إعجاز الآيات القرآنية في دحض الخدع البصرية
المهندس محمد ترياقي
لقد قامت سنّة هذا الكون على أسس وقوانين سنّها الخالق تعالى بحكمته البالغة، فكان قانون الأسباب والمسببات كمثابة الحجّة التي أقامها سبحانه وتعالى على عباده أن لايتبعوا أيّة خرافة تتسلل إلى عقولهم فتعطلها عن التفكير السوّي الصحيح وتبعدها عن معرفة وحدانية الله حق معرفة، كون أنّ الخرافة لاتتبع قانون الأسباب والمسببات فهي باطلة بحكم سنن الكون تلك. فلهذا كان موقف الإسلام من بعض الطقوس والمعتقدات موقفا حاسما، كما هو الشأن في ظاهرة السحر، فحرّم تعلمه وتعليمه وممارسته. فالسحر كما أخبر الله عنه طريق للفساد وسبب للضرر بين العباد وإذائهم والتفرقة بينهم، وهو فوق ذلك كله سبب للكفر بالله سبحانه والخروج عن دينه وشرعه. ومن السحر من هو حقيقي ومنه من هو تخيلي وكلاهما أقرّه القرآن والأحاديث الصحيحة كما جاء ذلك في كتب أهل السنة والجماعة، وتتعدّد أنواع السحر بتعدّد الطرق المستعملة والإستعانات التي يستعين بها الساحر في تحقيق غرضه ونيل غايته، فمن السحرة من يزعم الاستعانة بالكواكب و النجوم والأبراج، ومنهم من يستعين بالجن والشياطين، ومنهم من يستعين ببقايا الموتى وقبورهم، ومنهم من يستعين بالنفخ في العقد، ومنهم من يستعين بخفّة حركاته وسرعتها ومهاراتها، ومنه من يدّعي الرقية بالقرآن فتراه تارة يقرء القرآن جهرا أمام زبائنه وتارة أخرى يتمتم بكلام مبهم غير مفهوم ولامسموع. ومن السحر من يكفّر فاعله ويخرجه من ملّة الإسلام، ومنه من يدخله في دائرة الفسوق، ومنه من يدخله في زمرة العابثين المضيعين للأوقات واللاهين الغافلين عن العبادة والذكر. ومن أكثر أنواع السحر إنتشارا هو سحر التخييل كما وصفه تعالى في قوله: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ طه - (الآية:66)، وسنخصّ في موضوعنا في هذا النوع من السحر دون غيره (أي سحر التخييل) فهو جوهر حديثنا ومحور بحثنا. فما هو تعريفه؟ وما هي أسبابه؟ وكيف جاء ذكره في القرآن الكريم؟ وكيف ذكرته النظريات العلمية الحديثة؟ وهل سبق القرآن النظريات العلمية في ذكره وتفسيره لهذه الظاهرة وكشف أسرارها؟
تعريف سحر التخييل ( الخداع البصري):
السحر عموما فى لغة العرب يطلق على كل شيء خفي سببه، ولطف ودق ولذلك كانت تقول العرب في بيانها " أخفى من السحر"، و قال الأزهري: "أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكأن الساحر لمّا رأى الباطل في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته قد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه ". أما "سحر التخييل" خاصة هو ذلك العمل الذي يطلق عليه في عصرنا هذا بإسم "الخداع البصري" أو "الوهم البصري" أو " الوهم التخيلي" و كلها مصطلحات بمعنى واحد، وعرّفه أبو بكر الرازي بأنه: " كل أمر خفي سببه، وتُخِيِلَ على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخُدَع". و إصطلاحا هو ذلك الفعل الذي يصوّر للناظر دائما الصورة المرئية على غير حقيقتها حيث تكون الرؤية خادعة أو مضللة، ومبنى هذا على أن القوة الباصرة قد ترى الشيء على خلاف ما هو عليه في الحقيقة لبعض الأسباب العارضة. و التفسير العلمي لذلك أنّ المعلومات التي تجمعها العين المجردة وبعد معالجتها بواسطة الدماغ تعطي نتيجة لا تطابق المصدر أو العنصر المرئي. والخدع التقليدية مبنية على إفتراض أنّ هناك أوهام فزيولوجية تحدث طبيعيا ومعرفيا بالإضافة إلى الأوهام التي يمكن البرهنه عليها من خلال الحيّل البصرية الخاصة، فالخدع البصرية إذا هي صور و مشاهد مصنوعة مسبقا بطريقة مدروسة لتظهر للناظر بطريقة معيّنة و هي ليست كذلك كونها ضرب من التمويه و الحيلة.
و حسب الموسوعة العلمية البسيكوليوجية فإن المفهوم الأساسي والتعريف المبدئي للخداع البصري هو ذلك الفعل الذي يجعل الأشياء أو الأشكال أو الألوان ترى أو تدرك بطريقة كاذبة و مغايرة لماهيتها الأصلية و بخلاف حالتها الطبيعية. و بصيغة أخرى فإن الخداع البصري هو أنّه يخيّل لك أنك تظن نفسك ترى أشياءا على حالة معيّنة بينما الحقيقية مخالفة تماما لما رأيت. و هذا يعود إلى "الخطئ التحليلي" لماهية و حقيقة الصور و المشاهد التي نراها، أي أنّه لا يوجد توافق بين ما تمّ تحليله في الإدراك و حقيقة الشيئ. و خلاصة التعريف فإن مصطلح الخدعة البصرية يطلق على كل فعل يخدع النطام البصري للإنسان بدئا من العين حتى الدماغ و يجعل الاشياء المرئية مخالفة لحقيقتها.
أنواع الخدع البصرية:
هناك أنواع عديدة من الخدع البصرية، وتتعدد بتعدد التقنية التي نستعملها للتحقيق الخدعة، وأساسا هنالك أربع أنواع وهي:
1) خدع متعلقة بالألوان:
إنّ العين البشرية ترى الألوان بشكل متغير على حسب المحيط، حيث أنه عند الرؤية إلى موضع معين نرى لون أو عدة ألوان ولكن ليست هذه هي الحقيقة، وسنسوق ثلاثة أمثلة عن الخدع المتعلقة بلألوان.
المثال الأول: ( خدعة باكمان)
الخدعة الأولى: لو إتبعنا الحركة الدائرية للكرة الموجودة في الشكل التالي والتي تتحرّك في نفس إتجاه عقارب الساعة لوجدناها كرة وردية اللون، لكن لو حدّقنا في أحدى الكرات الوردية الساكنة لشاهدنا بعد ثانيتين كرّة خضراء تدور بدل الكرة الوردية.
الخدعة الثانية: الآن سنقوم بالتحديق في مركز الدائرة ( في العلامة +) و ننتظر 4 إلى 5 ثواني فسنرى أن أنّ كل الكرات الوردية قد إختفت عن أنظارنا وما تبقى إلاّ الكرة الخضراء.
تفسير الخدعتين: لقد قام مخترع الخدع البصرية "جيرمي هينتون" بإختراع هذه الخدعة سنة 2005 ميلادي والتي أحدثت حينها رواجا كبيرا، حيث وضع إثنى عشرة كرة وردية اللون في شكل دائري ووضع علامة (+) في مركز الدائرة، ثم عمد هذا المخترع على أن تختفي إحدى الكرات الوردية بعد 0.1 ثانية من بدئ المشاهدة، ثم بعد 0.125 ثانية تختفي الكرة التي تليها وفي نفس الوقت تعود الكرة الوردية السابقة إلى الظهور، وهكذا دواليك تختفي كرة في الوقت التي تظهر أخرى، وهذه التقنية أوحت إلى أعيننا ما يلي:
1) أنّ كرة وردية اللون تدور مع عقارب الساعة غير أنّ الأمر ليس كذلك، فالأمر كله أن كرة وردية تختفي في الوقت التي تظهر أخرى وفقا لعملية حسابية رياضية مدروسة ومحسوبة مبدئيا، وهذا هو مبدئ التصوير السينيمائي.
2) أنّ كرة خضراء تدور بدل الكرة الوردية، لكن هذا ليس صحيح فالكرة الخضراء ظهرت للعيان نتيجة عملية التحديق، فهذا اللون الأخضر للكرة لا يوجد أساسا بل هي لا تزال وردية، فالنظام البصري أعطى تفسيرا خاطئا للون الكرة نتيجة تعب الخلايا العصبية وتأخرها في إعطاء اللون الحقيقي، حيث لو إستبدلنا الكرات الوردية في خدعة "باكمان" بكرات ذات لون أزرق وكررّنا التجربة لشاهدنا كرة صفراء بدل الكرة الخضراء.
3) أنّ كل الكرات الوردية إختفت وما تبقى للعيان سوى كرة خضراء تدور، وهذا أيضا أمر لم يحدث إلاّ في أعيننا، ولكن كل ما في الأمر أن العين البشرية إذا حدّقت في نقطة معينة فإن كل الصور والألوان الساكنة التي لم يشملها مجال التحديق تختفي من النظر ولا تختفي بمنظور فيزيائي، فلهذا ونحن نحدّق في علامة (+) إختفت كل الكرات الوردية من مجال رؤيتنا ولم يبقى سوى كرة خضراء تتحرك، وحتى هذه الكرة الخضراء ليست كذلك بل هي وردية ولقد سبق تفسير ذلك في النقطة.
المثال الثاني: (مربع الالوان المتباينة).
لو أردنا أن نحصي عدد النقاط السوداء في هذا المربع لاستعصى علينا ذلك، لأننا سنرى أنّ هذه النقاط السوداء تغدوا بيضاء مباشرة بعدما أن ننقل بصرنا إلى نقطة أخرى في المربع، وهكذا دواليك فلهذا يستحيل علينا تعدادها، والتفسير العلمي في ذلك أنّ هذه النقاط السوداء لاوجود لها أساسا داخل المربع! ويمكن التأكد من صحة ذلك بتغطية أحد الاشرطه السوداء باليد. ويمكن تفسير ذلك بإعتبار أنّ العين البشرية عاجزة عن التنقل بين لونين متعاكسين بسبب التباين الشديد بينهما. فلقد خُدعت أبصارنا من جرّاء هذا التباين وشاهدنا ما لايوجد أساسا.
المثال الثالث: (خدعة صورة المسيح المزعوم).
نطلب من القارئ الكريم أن يتبع الخطوات التالية:
أولا: أن يحدّق في الشكل التالي مدة 60 ثانية.
ثانيا: أن يكون التحديق مركّزا على الأربع نقاط الموجودة في مركز الشكل.
ثلاثا: بعد أن تنتهي المدة يجب على المشاهد أن ينظر إلى حائط خالي من الصور ويحدّق فيه لبضع ثواني حتى تظهر له صورة.
أكيد أنّه إذا كنت إتبعت الخطوات المذكورة أعلاه فإنّه قد ظهرت لك صورة لرجل بشعر طويل ولحية كثيفة، وهذا الوجه يشبه الصورة التي يرسمها النصارى وينسبونها بهتانا وظلما للنبي عيسى عليه السلام. والحقيقة أنّ الذي شاهدته خدعة بصرية ليست إلاّ، فلو قمت بعكس وقلب الألوان الموجودة في الشكل الذي كنت تحدق فيه لظهر لك مايلي:
وكما يظهر لنا جليا في هذا الشكل (الصورة الأصلية للخدعة البصرية) فإننا نرى أن اللون الأسود أصبح أبيض والأبيض أسودا خلافا على ما كانا عليه قبل قلب اللونين في الصورة المخادعة. وأمثال هذه الصور المعكوسة كثير نصادفها على النت وفي المجلاّت العلمية والكتب الترفيهية، فمنها صور لزعماء تاريخيين ولرؤساء دول وملوك وشخصيات سينيمائية إلى غير ذلك، حتى أنّه يمكن لكل واحد منّا أن ينسخ له صورة (أو لأحد أقربائه) ثم يعكس ألوانها ويعيد الخطوات الثلاثة التي ذكرناها في التجربة أعلاه فسيشاهد الصورة الأصلية للصورة المقلوبة.
2) خدع متعلقة بالهندسة ( خدعة "روجر بانروز")
يدعى هذا الشكل بمثلث "بانروز" نسبة إلى عالم الرياضيات "روجر بانروز" الذي رسم هذا الشكل ونشره في الجريدة البريطانية البسيكولوجية لسنة 1958، إنّ هذا الشكل الهندسي لايمكن تحقيقه إلاّ عن طريق الرسم على الورق ببعدين هندسين إثنين ويستحيل تجسيده في الواقع بثلاثة ابعاد، فهو شكل من أشكال الخدع الهندسية.
3) خدع متعلقة بتحريك الصور (الخدعة الثلاثية الأبعاد ذات الصورة المتحركة)
لو قمنا بالتحديق في مركز الشكل التالي ثم قمنا بتحريك رؤوسنا إلى الأمام ثم إلى الخلف مرّات عديدة لشاهدنا أنا الحلقتين تدوران الواحدة بعكس إتجاه الأخرى، غير أن الأمر ليس كذلك فالحلقتين ساكنتين ولاتدوران بأيّ إتجاه، ويمكنا التأكد من هذا بأن نعيد التجربة كاملة محدقين في الدائرتين دون المركز فسنرى أنهما في سكون تام.
4) خدع متعلقة بالأحجام و القياسات ( خدعة "ميلار ليار")
لو أخذنا المثال التالي فإننا نرى أنّ الخط الذي يشكّل الرسم الذي على يسارنا أطول من الخط الذي يشكل الرسم الذي من جهة اليمين، غير أنّ الحقيقة عكس ذلك فالخطين متساوين تماما ويمكننا التحقق من ذلك بعملية القياس. إنّ الأسهم التي تحدّ طرفي القطعتين المستقيمتين توحي لأعيننا أنّ أحد القطعتين أطول من الأخرى، وهو تحليل خاطئ للدماغ ناتج عن الخداع البصري.
وجه الإعجاز في الآية الكريمة:
قال تعالى في الآية 116 من سورة الأعراف : ﴿قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيم﴾، وجائت هذه الآية والآيات التي من قبلها لتقص علينا ماحدث بين النبي موسى عليه السلام و سحرة فرعون، في يوم إنتصب فيه الحق أمام الباطل، والمعجزة أمام السحر، والقوة الإلهية أمام خداع البشر وكيدهم، والقصة كما يعلم الجميع غنية عن التعريف.
لقد قال تعالى في الآية المذكورة أعلاه: ﴿سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ و لم يقل سحروهم أو سحروا عقولهم أو قلوبهم أو أجسادهم، أي أنّ الله تعالى قد خصّ الأعين دون غيرها من الأعضاء الجسدية الأخرى وخصّ البصر دون غيره من الحواس، وهذا مايوافق التعريف العلمي للخدعة البصرية من حيث أنّها فعل يخدع كليّة النظام البصري للمشاهد بدءاً من العين حتى الدماغ، أي أنّ الخدعة تنطلق أولا من العين حتى تصل الإدراك العقلي فيخيّل للمشاهد أشياء مخالفة لما هي عليه في الواقع، ولهذا جائت الإشارة القرآنية إلى الأعين دون غيرها من الحواس الأخرى. ثم قال تعالى في موضع آخر من القرآن: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ طه - (الآية:66)، أي أن السحرة خَدعوا أولا أعين الناس بما في ذلك موسى وهارون عليهما السلام، فلما تمكّنوا من أمر الخداع والتمويه هذا تخيّلت عقول الناس (المشاهدين) أنّ العصي والحبال أفاعي وحيّات تتحرك وتزحف، أي أن النظر كان قبل التخيّل، معنى هذا أن القرآن يخبرنا أنّ الناس الذين جمعهم فرعون خُدعت أبصارهم في أول الأمر ومن بعد ذلك تخيلوا بعقولهم ماأوحت إليهم أبصارهم المخدوعة، وكل عاقل في هذا الكون يقر أنّ النظر يكون بالعين والتخيل محله الدماغ، وهذا السرد القرآني موافق تماما للتفسير العلمي من حيث أنّ الخدعة بدأت بالبصر ليدرك الدماغ بعد ذلك تخيّلا وتحليلا خاطئا لما شاهدته العين كما هو الشأن في خدعة "باكمان" وخدعة "ميلار ليار" وخدعة "روجر بانروز" وخدعة سحرة فرعون أيضا فهم درسوا فنّ الخداع البصري من قبل أن يرسل فرعون في المدائن حاشرين وذلك في قوله تعالى: ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ سورة الأعراف - (الآية:112) أي أن سحرة فرعون عالمون بمهارة الخداع البصري وتمويه الأشياء وصرف أنظار الغير عن حقيقتها وحالتها الطبيعية التي هي عليها، فخيّل لموسى وهارون (عليهما السلام) ولفرعون وقومه أنّ العصيّ والحبال أفاعي وحيّات تسعى غير أنها لم تكن إلا عصي وحبال جامدة.
والمتتبع لهذا المشهد العظيم والأسلوب القصصي القرآني الرائع لهذه المناظرة الكبرى، التي جمعت موسى وهارون بسحرة فرعون، يدرك أن الطرف الذي لم يتأثر من هذه الخدعة والتمويه هم السحرة أنفسهم، فهم وحدهم العالمين بفن الخداع بل إنّ فرعون أكرههم على تعلّمه سنوات عديدة، فلمّا ألقى موسى بعصاه وإلتقمت تلك الحبال والعصيّ أدرك السحرة أنّ هذا ليس بسحر ولا بخداع ولا بتمويه فهم العالمين بهذا كله، بل أدركوا بعين اليقين أنّ ما صنعت عصى موسى هو معجزة من رب قدير، فلو كان ماجائت به عصى موسى (عليه السلام) سحر تخيلي لكانوا قد أبطلوه وكشفوه بعلمهم وهزموا موسى ونالوا عند فرعون الدرجات العلى، لكنهم أدركوا حقيقة المعجزة كما كانوا يدركون في أعماق أنفسهم أنّ ماصنعوا لم يكن سوى خدعة وتمويه ليسّ إلا،ّ أما ماشهدوه في عصى موسى وماآلت إليه عصيّهم وحبالهم هو حق اليقين وليس سحر مبين، وأن موسى هو نبيّ من رب العالمين فكان سجدودهم طوعا وكان صبرهم جميلا وكان مقتلهم إستشهادا، ففي ضحى يوم إنقلبوا من مخادعين لأعيّن المشاهدين ومن ساحرين ماكرين موالين لفرعون إلى ساجدين تائبين لرب العالمين ورب موسى وهارون فغدو بعد ذلك شهداء مسلمين.
هكذا يخبرنا القرآن منذ مآت السنين عن ظاهرة الخدع البصرية والوهم التخيلي والتي إستعملها سحرة فرعون من قبل حتى أن يكتشف العالم حقيقة هذه الظاهرة، فالعلم الحديث لم يدرك حقيقة الخداع البصري إلاّ بعدما أن أدرك التكوين العضوي للعين وطريقة عمل النظام البصري وعلاقته بالدماغ، بينما أشار إلى ذلك الله تعالى في كتابه منذ مآت السنين وبمصطلحات دقيقة " سحر الأعين"، " خيّل "...إلخ، أليس هذا دليل على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم أنّ ماأتى به سحر سحر به قريش ثم بعد ذلك سحر أقواما من بعدهم طيلة 14 قرنا من الزمن ولايزال يفعل؟! إنّه والله لحق من ربه ورب موسى وهارون، رب السموات والأرض معجز البشر وعلمهم إلى يوم الدين.